728

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

معركة البقاء تدفع صحافة ورقية إلى الصيغة المجانية

متصفحون للعدد المجاني للصحيفة في محطة فيكتوريا البريطانية

متطلبات الاستمرار في الصدور كصحيفة ورقية، على الرغم من تزايد أعباء الخسائر المالية، دفعت يومية بارزة هي "لندن إيفننغ ستاندرد" إلى التخلي عن ثمن نسختها، وتجريب صيغة التوزيع المجاني، أملاً في تجاوب جمهورها بما يوفر لها فرصة البقاء في السوق، ومن ثم الحفاظ على الدخل الاعلاني. بيد أن الصيغة المجانية ليست ضمانة أكيدة، فضغوط الخسائر المالية الباهظة يمكن أن تفتك بصحيفة مجانية، مثل "ذا لندن بيبر"، حتى لو كانت تقف وراءها امكانات مؤسسة ضخمة بحجم مجموعة روبرت ميردوخ العالمية.

لندن: مع نهاية اليوم، الجمعة، تنهي صحيفة "إيفننغ ستاندرد"، اسبوعها الأول في صيغتها المجانية، بعدما ظلت تسحب من جيوب جمهورها ثمنًا لنسختها الورقية بلغ حتى الاثنين الماضي، خمسين بنسًا للنسخة المسائية (إيفننغ) البريطانية الشهيرة، والمندمجة مع مسائية كانت ضرتها (ستاندرد)، ربما ليست بعراقة "التايمز" أو "التلغراف"، ولا هي بنخبوية "الفايننشال تايمز" و"الغارديان" أو "الإيكونومست"، لكنها بالتأكيد ثبتت نفسها، منذ صدورها قبل 182 عامًا، لتصبح من علامات لندن الصحافية. تصدر طبعتها الأولى ظهيرة أيام اسبوع العمل (الاثنين – الجمعة) ومع حلول المساء، تخرج بثوب السهرة في طبعتها "الويست إند" النهائية.

بين عوامل التميز، أن علاقة "إيفننغ ستاندرد" مع اللندنيين واللندنيات اختلفت دائمًا عن علاقتهم وعلاقتهن مع غيرها، الرصينات منهن. هي رفيقة الذين هم وهن في حل وترحال فوق الأرض وتحتها. جاءت قارعة الانترنت، وما تلاها من زوابع الورقيات المجانية، وبقي جمهور "ايفننغ ستاندرد" وفيًّا لها، تتلقفها الأيدي في محطات القطارات، مواقف الحافلات، وصولاً إلى السيارات، خاصة أو أجرة، فهي إما راكبة أصلاً، او قافزة عبر الشبابيك من باعة مترصدين عند مفارق الطرق والإشارات.

صمدت "إيفننغ ستاندرد، بوفاء جمهورها، إلى حين الاثنين الماضي تحديدًا، حين أعلنت، ضمنًا وليس مباشرة، انها بدأت تئن من العض على أصابع الخسارة المالية، وإذ خُيرت بين الموت ورقيًا، وبين استمرار العيش، ولو مجانًا، فإنها اختارت الثانية. حقًا، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. ويبدو ان ما بقي للورقيات من أمل، هو ان يبقى للجريدة جمهورها... ولو ببلاش!

جوليا بيتون جونز

التوزيع المجاني لأي سلعة، عرض له، بالطبع، تأثير تسويقي نفاذ. وبالانكليزية يضاف لكلمة (فري) FREE سحر أخاذ. فكأنما الصحيفة "الفري" تقول لجمهورها انها حررته من عبء الثمن، وبقيت رفيقة حريته في الاختيار. وهو ما قدره جمهور "ايفننغ ستاندرد" فسارع، من جهته، الى الاحتفاء بالمهاجرة منه ... وإليه. صحيفة تهجر دراهمه، أو بنساته، إلى دفء صحبته. ومن ثم الحفاظ على الدخل الإعلاني. الروائية جوزيفين هارت قالت: "حرة أفكر، أتحدث، امشي، والآن ايفننغ ستاندرد فري، برافو". أما جوليا بيتون جونز، مديرة سيربنتاين غاليري فقالت: "أفضل شيء فري لديَ هو المشي بحرية عبر الهايد بارك وصولا الى غاليري سيربنتاين الحر، والآن اتوقف قليلاً لقراءة فري ايفننغ ستاندرد".

تجاوب شجع "ايفننغ ستاندرد" على التفاؤل، وعززته الأرقام بنفاد 600 ألف نسخة وزعت مجانا عبر 300 مركز توزيع. لكن حمى المنافسة، التي هي جوهر معركة الصحف الورقية على النصيب من كعكة الجمهور، ليست سهلة. الضرة الأقوى التي تواجه "ايفننغ ستاندرد" الآن هي "مترو" التي صدرت سنة 1999 كأول تابلويد يومية توزع مجانا، وتزعم انها ببلوغها توزيع مليون و300 ألف نسخة يوميًا، باتت تحتل المرتبة الثالثة توزيعًا بين صحف بريطانيا.

الروائية جوزيفين هارت

المعركة مستمرة، بالتأكيد. حتى "التايمز" بكل رصانتها جربت التوزيع المجاني مرةً، من دون ان تسحب نسخها المباعة في المكتبات. الصيغة المجانية ليست ضامنة أكيدة للبقاء. فمجموعة روبرت ميردوخ، مالكة "التايمز"، اضطرت الشهر الماضي الى اغلاق "ذا لندن بيبر" المجانية التي كانت قد أصدرتها لمقارعة "ميترو" و "ايفننغ ستاندرد"، وصحيفة "لايت" الحديثة العهد. بيد ان المفارقة اللافتة هنا انه فيما تتمسك صحف ورقية بالبقاء، ولو مجانا، تتخذ صحف ومجلات مرموقة، مثل "الايكونومست" اجراءات لتحصيل مقابل مالي من قرائها عبر الانترنت، بحصر امكانية قراءة مواد محددة على موقعها في القراء المسددين لقيمة اشتراك. إنها معركة بقاء، ورقيًا أو الكترونيًا، بثمن او ... مجانًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك على الخبر

شاهد ايضا