728

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

الاستيطان احتلال بيروقراطي



العمل يجري على قدم وساق لبناء مزيد من المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية (الفرنسية)

من مقال بصحيفة غارديان للمدير الدولي لمعهد بركبك للإنسانيات التابع لجامعة لندن سلافوي جيجيك

في الوقت الذي ما فتئت إسرائيل تنتقد فيه المستوطنات غير الشرعية لم تكف عن مصادرة مزيد من أراضي الفلسطينيين وتضييق الخناق على اقتصادهم, فهل ينبغي على الفلسطينيين أن يقفوا مكتوفي الأيدي بينما تصادر أراضي الضفة الغربية منهم يوما بعد يوم؟

لقد أقدمت السلطات الإسرائيلية قبل أسبوعين على طرد أكثر من 50 فلسطينيا من بيوتهم في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية لتترك مستوطنين إسرائيليين يحلون مكانهم فور خروجهم, في حادثة شدت بصورة استثنائية انتباه الإعلام العالمي رغم أنها ليست سوى جزء من عملية أوسع لا تحظى بالاهتمام الكافي رغم استمرارها منذ أمد بعيد.

فقد تحدثت التقارير قبل خمسة أشهر عن خطة للحكومة الإسرائيلية تقضي ببناء 70 ألف وحدة سكنية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية, وهو ما يعني إضافة 300 ألف مستوطن جديد لسكان تلك المستوطنات.

ومن شأن ذلك إن تم أن يقوض بشكل خطير للغاية إمكانية إقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة ناهيك عن عرقلته للحياة اليومية للفلسطينيين.

ولئن كان متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية قد رفض ما جاء في تلك التقارير, فإن 15 ألف وحدة جديدة قد تمت المصادقة عليها بالفعل, كما أن 20 ألفا من الوحدات السكنية التي وافقت الحكومة عليها تقع في مستوطنات لا يمكن لإسرائيل أن تتوقع التمسك بها في أي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين.

ولا يمكن للمرء أن يستنتج من ذلك إلا أن إسرائيل التي تتحدث عن حل الدولتين منهمكة في جعل مثل هذا الحل مستحيلا على أرض الواقع.

وليس على من لا يعرف النوايا الحقيقية لإسرائيل إلا أن ينظر إلى صورة الريف التي رسمها الإسرائيليون على الجانب الذي يليهم من جدار الفصل إذ لا يبدو في الجانب الفلسطيني من الجدار إلا صور للطبيعة والأعشاب والأشجار دون وجود أية قرى فلسطينية.

أليس هذا هو التطهير العرقي بأبشع صوره, إذ يصور المناطق الآهلة اليوم بالسكان الفلسطينيين كما لو كانت أرضا بكرا فارغة تنتظر من يستوطنها.

فهل على الفلسطينيين أن يظلوا مكتوفي الأيدي يتفرجون على إسرائيل وهي تلتهم يوما بعد يوم مزيدا من أراضيهم؟

وما الذي يحدث بالشرق الأوسط عندما لا تكون هناك مفاوضات ولا أعمال عسكرية ولا احتكاكات؟

إن الذي يحدث هو جهود حثيثة ومدروسة بشكل دقيق للاستحواذ على أراضي الفلسطينيين والخنق التدريجي لاقتصادهم وتوزيع أراضيهم وبناء مزيد من المستوطنات عليها والضغط على الفلاحين الفلسطينيين لحملهم على هجر أراضيهم, وكل ذلك يتم عبر شبكة من القواعد الإسرائيلية والنظم المقننة.

وأفضل وصف لما يجري هو ما يسميه الأستاذ بجامعة كاليفورنيا ساري المقدسي في أحد كتبه "الاحتلال عبر الإجراءات البيروقراطية" الذي يُفرض في المقام الأول عبر نماذج الطلبات وسندات الملكية وتصاريح الخروج.

وهكذا يستطيع الإسرائيليون من خلال إدارة كل صغيرة وكبيرة في حياة الفلسطينيين أن يؤمنوا توسعا إسرائيليا بطيئا ولكن مؤكدا, فالفلسطيني مجبر على طلب تصريح لكل شيء للإقامة مع عائلته وزراعة أرضه وحفر بئر فيها والذهاب إلى العمل والمدرسة والمستشفى, وبهذا يجرد الفلسطينيون المولودون بالقدس واحدا تلو الآخر من العيش في القدس وكسب العيش فيها والحصول على رخصة بناء داخلها.. إلخ.

من الواضح إذن أن الدولة الإسرائيلية منهمكة في عملية خفية وبطيئة, لا تحظى باهتمام وسائل الإعلام, ويوما ما سيستيقظ العالم ليكتشف أنه لم تعد هناك ضفة غربية فلسطينية وأن الأرض قد خلت تماما من الفلسطينيين وأن على العالم أن يقبل بالأمر الواقع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك على الخبر

شاهد ايضا