728

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

إيران تفاوض عن العرب

حسان حيدر

لم يفوت الايرانيون فرصة الحوار المتاحة مع الغرب حول ملفهم النووي، على رغم ان مواقفهم الخطابية على مدى اكثر من ثمانية شهور كانت توحي بعكس ذلك. هم يعرفون ان التعاطي مع العالم ليس مفتوحاً على الوقت مثل حياكة السجاد، وان استحقاقات تقترب ولا بد من مسعى عملي لتكريس المكاسب وتقليل العواقب، وان الدور الاقليمي يتطلب امكانات مادية تحميه لا يمكن توافرها في ظل نزاع مفتوح مع العالم.

ولأنهم يدركون ان الاعتراف الأوروبي بدورهم وعناصر قوتهم لا يكفي وحده، اصروا على ان تمهر واشنطن بخاتمها اي اتفاق او ترتيب. فالقوات الاميركية موجودة في العراق وافغانستان، والاميركيون يتحكمون الى حد كبير بقرار اسرائيل على جبهتي الحرب في جنوب لبنان وغزة، وهم الذين منعوا حتى الآن هجوماً اسرائيلياً على مفاعلات بلاد فارس.

انتظرت طهران قبل عامين اشارة ايجابية واحدة من ادارة بوش فلم تأت. رغبت في استغلال اقتراب ولايته من نهايتها لتحصل منه ما تستطيع. كانت يومها جاهزة لتسهيل وضع قواته في العراق تمهيداً لانسحابها في مقابل الإعتراف بدورها هناك، ولترتيب جديد في لبنان الخارج لتوه من الحرب. بوش كانت له حسابات مختلفة ولغة مختلفة، ولذا لم تنجح اللقاءات القليلة الخجولة التي جرت بين الطرفين. اما اوباما فكان واضحاً منذ البداية وقرر مد يده الى طهران معترفاً ضمناً بثقلها المتزايد.

ولأن الشاغل الأساسي للغرب سيكون بالتأكيد الإمساك بملف ايران النووي ولجم قدرتها على التخصيب بعدما وصلت الى عتبة امتلاك القنبلة كما اعلن تقرير اميركي أخير، تشعر طهران انها يمكن ان تحصل على "تنازلات" في ملفات اخرى تعنيها مباشرة، ولذا قدمت نفسها في رزمة اقتراحاتها وكأنها شريك كامل في ادارة العالم وحل مشكلاته، ولاعب اقليمي لا يقبل دوره النقاش، ويتخطى اطرافاً امسكت خلال العقود الماضية بالخيوط نفسها او ببعضها.

المبالغة الايرانية انطلت على حلفاء طهران العرب الذين صدقوا انها يمكن ان تضحي بمصالحها من اجل مواقف "مبدئية"، لذا وقفوا في ظلها، بينما تقدمت هي وفي جعبتها اوراق يفترض نظرياً ان تكون بأيديهم، لتطرحها على طاولة المقايضات.

الاميركيون فضلوا ايضاً الذهاب الى النبع مباشرة. يعرفون من يوزع الرواتب والسلاح ويدغدغ العصبيات. ويعرفون كذلك ان الحوافز الاقتصادية تغري طهران التي يعاني بيت مالها من العقوبات والتضخم وتقلب العائدات، فيما تحتاج الى زيادة كبيرة في الانفاق على تطوير انتاجها من النفط والغاز لا تتوافر لها، والى استثمارات اجنبية تعيد اطلاق ماكينتها الاقتصادية الصدئة.

سيحمل الغربيون الى المفاوضات ملفين اساسيين: أمن الطاقة وأمن اسرائيل، وكلاهما يحتاج الى تعاون ايران ومدرج في اقتراحاتها. لقد نجحت طهران في فرض معادلة اقليمية جديدة، وتحقيق الاستقرار في المنطقة لم يعد ممكناً من دون الممر الايراني الالزامي. فالمصالحة الفلسطينية ستظل متعذرة من دون مباركة ايران، والوضع في لبنان سيظل معقداً ومفتوحاً على احتمالات شتى من دون موافقتها، واستقرار الحكم في العراق غير ممكن بلا تعاونها.

وهذا يعني ان المفاوضات ستكون شاقة وطويلة، لكن الصفقة اذا حصلت ستشمل التزاماً بضبط الحلفاء وترتيب المخارج، وقد تجعل الازمات "المحلية" في لبنان وفلسطين مجرد نوادر من الماضي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك على الخبر

شاهد ايضا