728

الخميس، 22 أكتوبر 2009

فن إقامة التحالفات بأفغانستان



مقاتلو طالبان يتدربون على أسلحة من أنواع مختلفة (رويترز)


في

مقال لها بمجلة فورين أفيرز تقول كاثي غانون التي عملت مراسلة لوكالة أنباء أسوشيتد برس منذ 1988 في باكستان وغطت أحداث أفغانستان، إنها حثت في مقالات سابقة على التحالفات مع الأفغان بوصفها السبيل الوحيد لكسب الحرب الخاسرة هناك, كما حذرت من التحالف مع أمراء الحرب.

وذكرت الكاتبة أنها أكدت في مقال لها نشر في المجلة نفسها عام 2004 أن من شأن التحالف مع هؤلاء الأمراء أن يعيد أفغانستان إلى أيام غياب القانون والأمن التي سادته قبل سيطرة طالبان عليه, وأنها أشارت إلى أن اختيار التغاضي عن جرائم أمراء الحرب السابقين من شأنه تقوية شوكتهم, دون جعلهم شركاء جيدين.

سذاجة الغرب
وقالت إن الغرب اعتقد بسذاجة أن أمراء الحرب يمكن أن يتحولوا إلى شركاء جيدين, والواقع أن أميركا لن تتمكن بهذه الطريقة من تحقيق هدفها في تعزيز أمنها الداخلي, وسيبقى الازدهار والسلام بالنسبة للأفغان سرابا ووهما.

وفي تعليقها الذي ركزت فيه على الوضع الذي آلت إليه القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان وفشل الولايات المتحدة في انتقاء الحلفاء المحليين كتبت غانون تقول:

قبل ثماني سنوات من الآن خير المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان زلماي خليل زاده زعماء مجاهدين سابقين من أمثال محمد قاسم فهيم وعبد رب الرسول سياف بين أن يكونوا جزءا من الحل أو جزءا من المشكلة.

وقال مازحا إن عبد الرشيد دوستم يسمي نفسه الآن "رجل سلام" وهو الذي سبق أن تحالف مع الشيوعيين ثم انقلب ضدهم وتحالف مع المجاهدين ومن ثم مع "الإرهابي" قلب الدين حكمتيار وهو الآن يتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية.

وكان ذلك بعد أشهر من إقدام دوستم على زج المئات من الشباب البشتون الذين كانوا يقاتلون مع طالبان والعديد منهم جرحى داخل حاويات شحن اكتظت بهم دون أن يكون فيها تهوية في درجات حرارة ملتهبة.

وقد مات العشرات منهم قبل وصولهم إلى المحطة النهائية، وهو سجن مكتظ بأكثر من سعته داخل معقل دوستم في منطقة شبرغان، ومنذ ذاك الحين بات دوستم أفضل حلفاء وأصدقاء أميركا الجدد.

خليل زاده سخر من حب دوستم للسلام (الفرنسية)
المستنقع
والواقع أن الولايات المتحدة وحلفاءها من دول الناتو قد غاصوا في مستنقع ووحل أفغانستان وأدى فشل إستراتيجية الولايات المتحدة في اختيار الحلفاء المحليين من داخل البلاد إلى إلحاق ضرر بالغ بالأفغان, فخسرت الولايات المتحدة ولاء وثقة المواطن الأفغاني العادي رغم أهمية ذلك لتحقيق الانتصار في تلك الحرب, وجمع المعلومات الاستخباراتية من أجل تعقب عناصر تنظيم القاعدة والعثور عليهم وضمان رفض الأفغان أنفسهم استخدام بلادهم ملاذا آمنا للإرهابيين.

ويبدو أن الإستراتيجية التي تبنتها الأمم المتحدة والغرب عقب سقوط نظام طالبان دعت إلى التقليل من التدخل الأجنبي بدلا من زيادته, وأغفلت حقيقة أن أفغانستان ما بعد طالبان دولة تفتقر إلى المؤسسات وتعاني من فراغ في الزعامة والسلطة ولذا كان الزعماء الذين برزوا في ثلاثين عاما من الحرب وحكموا أفغانستان بقوة البندقية جاهزين لملء الفراغ.

"
أميركا وحلفاؤها من دول الناتو غاصوا في مستنقع ووحل أفغانستان وقد أدى فشل الإستراتيجية الأميركية في اختيار الحلفاء المحليين من داخل البلاد إلى إلحاق ضرر بالغ بالأفغان
"
وها هو ذلك النموذج من الحكم يعود ثانية إلى أفغانستان وهي تبدو اليوم مثلما كانت في العام 2004 بل أسوأ قليلا, وتذكرنا بالوضع الذي كان سائدا في العامين 1995 و1996 قبل تسلم طالبان زمام السلطة حينما كان التحرك على طريق سريع يشكل مجازفة كبرى.

أما زيارة أحد المكاتب الحكومية فكان يتطلب دفع رشى. والفرق الوحيد بين تلك الأيام ووقتنا الحاضر هو أن الفصائل الأفغانية لم تعد تتحارب مع بعضها وتقتل المدنيين الذين يقعون بين نيرانها ولكن طالبان والقوات الدولية هي التي تتولى تلك المهمة اليوم.

تحذير خليل زاده
وقد لمح خليل زاده إلى أن العواقب ستكون وخيمة إن لم يتقيد الزعماء الأفغان بعد طالبان بالقوانين من أجل جعل أفغانستان دولة عاملة وفاعلة حتى وإن كانت بديمقراطية ضعيفة.

وهذا ما لم يحدث على الإطلاق, وحتى الآن فإنه تندر مشاهدة عقاب مرتكبي الجرائم ولكن عواقب تسلمهم للسلطة باتت ظاهرة وواضحة للعيان بالنسبة للمواطنين الأفغان.

ومع ترقب إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن إستراتيجيته الجديدة في أفغانستان, يسود المجتمع الدولي تذمر من أن حلفاءه في أفغانستان ليسوا أهلا لأن يعول عليهم.

ولم يتضح بعد إن كان أي منهم يدرك خطورة المشكلة ومدى ملامستها شغاف قلب إستراتيجية ناجحة, فالنجاح في أفغانستان يتجاوز مجرد قضية الحكم الرشيد أو تلميع الواجهة الخارجية.

محاكم طالبان
ورغم وجود ما يقرب من مائة ألف من القوات الأميركية وقوات الناتو داخل الأراضي الأفغانية, فإن طالبان ما زالت تنظم محاكم أسبوعية بانتظام, وحتى أنها أقامت هيئتين قضائيتين في موسى قلعة لمساعدة المحكمة، الأولى مهمتها التأكد من صلاحية الحكام والثانية لضمان استمرار نزاهة القاضي, وقد تم توبيخ قاض من طالبان علنا ومن ثم طرده من منصبه بعد أن ضبط وهو يتلقى رشوة.

أما في قندهار الجنوبية وقبل يومين فقط من انتخابات شهر أغسطس/آب, فقد روى شاب من موسى قلعة قصة محاكم طالبان, وكان ذلك الشاب عمل في حملة لصالح انتخاب الرئيس حامد كرزاي في العام 2004 وقوى من لغته الإنجليزية اعتقادا منه أن ذلك سيحسن من آفاق مستقبله ولكنه وفي العام 2009 بدأ يستشيط غضبا من المجتمع الدولي الذي أدى بتحالفاته الحمقاء -جهلا أو عمدا- إلى جعل هذا الشاب يعبر عن إعجابه بمحاكم طالبان.

"
السبيل إلى النجاح في أفغانستان يمر حتما عبر إقامة التحالفات مع السكان الأفغان
"
طريق النجاح
حينما طردت طالبان من السلطة رغب الأفغان من كافة أنحاء البلاد في أن يكونوا حلفاء للمجتمع الدولي، ولكن معظم السكان وبعد ثماني سنوات من ذلك بدؤوا يشعرون بالإحباط وهم يرون بلادهم تتجه نحو الدمار ويتولى قيادتها زعماء فاسدون ومتواطئون مدعومون من المجتمع الدولي الذي فشل في التمييز بين الصالح والطالح من الرجال.

وقبل فترة وجيزة قال لي صديق في كابل ممن آثر البقاء في وطنه وممن عايش حكم الشيوعيين والمجاهدين وطالبان وكان يتطلع دائما إلى مستقبل أفضل, إن تفاؤله قد انهار وتلاشى وإنه يريد مغادرة البلاد مضيفا "كنت تستغربين دائما استمرار تفاؤلي، والآن لقد ذهب هذا التفاؤل أدراج الرياح".

والسبيل للنجاح في أفغانستان يمر حتما عبر إقامة التحالفات مع السكان الأفغان, إذ تلك هي بطاقة النجاح لكن ذلك لن يحصل ما دام المجتمع الدولي يقيم تحالفات مع نفس أمراء الحرب الذين دأبوا على تنغيص حياة السكان الأفغان, دون حساب وعقاب.

ورغم أن سجن باغرام يؤوي نحو ستمائة سجين فإن النزر اليسير منهم فقط هم من أسروا في المعارك, في حين تقتل القنابل العشوائية السكان المدنيين الذين شخصهم الحلفاء عن طريق الخطأ كأهداف دون أن يحاسبوا على "تلك الأخطاء".

ولا شك في أن الطريق الذي ينتظر أوباما وهو يناضل من أجل إستراتيجية جديدة في أفغانستان صعب للغاية, لكنه أصعب بالنسبة للأفغان الذين يكافحون للنجاة بأنفسهم من مخاطر أخطاء الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي في بلادهم.

المصدر: فورين أفيرز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك على الخبر

شاهد ايضا