728

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

المسؤولية وجدل سرقة الأعضاء



فلسطينية ترفع صورة قريبين لها ما زالت إسرائيل تحتجز جثتيهما (الفرنسية-أرشيف)

تسابق القادة الإسرائيليون في مهاجمة مقال نشرته إحدى الصحف السويدية الشهر الماضي واتهمت فيه الجيش الإسرائيلي بالمشاركة في عملية سرقة أعضاء بعض الفلسطينيين, فشتتوا بذلك التركيز على الدعاوى المثيرة للقلق التي تقدمت بها عائلات فلسطينية في هذا الصدد والتي كانت هي محور اتهامات المقال المذكور.

وتمكن الإسرائيليون من جعل إدعاءات "فرية الدم" التي وجهت ضد الصحفي دونالد بوستروم وصحيفة أفتون بلاديت بل والشعب السويدي وحكومة بلاده تطغى على إصرار تلك العائلات على أن أعضاء بعض أقاربهم ممن قتلهم الجيش الإسرائيلي قد سرقت أثناء تشريح غير مرخص به لجثثهم.

ويقول الصحفي البريطاني المقيم في الناصرة جوناثان كوك إنه ليس لديه أي فكرة عن مدى صحة تلك القصة من كذبها, فقد وصلت إلى مسامعه كغيره من الصحفيين العاملين في إسرائيل هذه الشائعات من قبل, وحسب علمه لم يجر أي صحفي غربي تحقيقا في هذه القضية قبل ما كشفه الصحفي بوستروم في مقاله.

ويرى الكثير من الصحفيين أن الأمل ضئيل في العثور على أدلة عن هذه القضية بعد سنوات عديدة من وقوعها إلا في حال نبش قبور الفلسطينيين.

ولا شك أن تهم معاداة السامية التي لا بد من توجيهها في حالة نشر مثل هذه التقارير مثلت هي الأخرى رادعا قويا حال دون إثارة القضية.

واللافت في هذه القضية أن العائلات التي قدمت الدعاوى لم يسمح لها بعرض قضيتها أمام المحاكم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي خلال الانتفاضة الأولى, أي الفترة التي ظهرت فيها معظم التقارير الخاصة بهذه القضية, ولا تزال هذه العائلات محرومة من حق التعبير عن همومها تلك إلى يومنا هذا.

جثمان الشهيد بلال بعدسة الصحفي السويدي ويظهر أثر التشريح على جسده (الجزيرة)
ويبدو أن حساسية إسرائيل من تهم سرقة الأعضاء –أو "الحصاد" كما يسمي كثير من المراقبين بخجل هذه الممارسة- طغت على الهموم المبررة لتلك العائلات بشأن الاستغلال وإساءة المعاملة التي ربما تعرض لها أحبتهم.


لقد وجهت انتقادات كثيرة للأدلة الواهية التي عرضها بوستروم لدعم روايته المثيرة, ولا شك أن هناك الكثير مما يمكن انتقاده في تقديمه لتلك القضية وفي عرض الصحيفة لها.

والأهم أن بوستروم وصحيفة أفتون بلاديت عرضا أنفسهما لتهمة معاداة السامية –على الأقل من طرف مسؤولين إسرائيليين حريصين على إثارة البلبلة- عبر الوقوع في خطأ فادح في التقدير.

لقد عكرا المياه بمحاولتهما البائسة للربط بين اتهامات العائلات الفلسطينية لإسرائيل بسرقة الأعضاء أثناء تشريح غير مرخص فيه للجثث, وبين القضية المختلفة كليا التي كشف عنها هذا الشهر والتي اعتقل بموجبها عدد من اليهود الأميركيين بتهمة التورط في غسيل الأموال والاتجار بالأعضاء البشرية.

وكان يتعين على المراسل السويدي بدلا من ذلك أن يركز على السؤال الوجيه الذي أثارته العائلات عن السبب الذي جعل الجيش الإسرائيلي يستولي على جثث عشرات الفلسطينيين الذين قتلوا على يد جنوده ويسمح بإجراء عمليات تشريح عليها دون إذن من أسر الضحايا ومن ثم يعيد تلك الجثث إلى ذوي القتلى لدفنها في مراسم تمت تحت حراسة مشددة.

ويلقي مقال بوستروم الضوء على حالة فلسطيني واحد هو بلال أحمد غانان, البالغ من العمر 19 عاما وهو من قرية إمَتين في شمال الضفة الغربية وقد قتل عام 1992 وأرفق الصحفي بالمقال صورة مروعة لجثة بلال وقد ملئت غرزا.

وذكر بوستروم بالفعل لوسائل الإعلام الإسرائيلية أنه يعرف ما لا يقل عن عشرين عائلة فلسطينية تقول إن جثث ذويها التي أعيدت لها كانت تنقصها بعض الأعضاء, غير أنه لم يذكر إن كان أي من الحوادث التي تحدثت عنها تلك الأسر قد وقعت في الآونة الأخيرة.

ويكشف بوستروم أن الجيش الإسرائيلي اعترف له بأنه أخذ 69 جثة للتشريح من أصل 133 فلسطينيا لقوا حتفهم عام 1992 نتيجة أسباب غير اعتيادية, ولم ينكر الجيش الإسرائيلي هذه الجزئية من تقريره.

والسؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة للعائلات الفلسطينية التي تحدث عنها بوستروم هو: لماذا نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات التشريح المذكورة؟ فما لم يكن هناك ما يثبت أن الجيش أقدم على ذلك في إطار التحقيق في أسباب وفاة الفلسطينيين, وهو ما لا دليل عليه, فإن عمليات التشريح تلك لم تكن مبررة.

والحقيقة أن تلك العمليات لم تكن ضرورية البتة, بل إنها ربما أعطت نتائج عكسية إذا افترضنا جدلا أن الجيش الإسرائيلي ليست له مصلحة في جمع الأدلة التي قد تستخدم في أية ملاحقات قضائية لجنوده بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في المستقبل, فسجل إسرائيل حافل بمحاولات إحباط أي تحقيق مع جنوده بشأن ما يقترفونه من قتل بحق الفلسطينيين, وما تطبيقهم لهذا التقليد الشنيع في أعقاب حربهم على غزة منا ببعيد.

المصدر: الصحافة الإسرائيلية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك على الخبر

شاهد ايضا