728

الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

عبثية الحوار الفلسطيني في غياب القدرة على الحسم

كل حوار يجري بين أطراف اي معادلة سياسية على صعيد المجتمع أو على صعيد علاقات الدولة مع مختلف القوى الفاعلة في المجتمع أو على صعيد علاقاتها بدول أخرى، من أجل التوصل الى مواقف مشتركة أو قرارات تضع الحلول لبعض المشاكل القائمة بينها، أو تبلور اسسا لممارسات، وعلاقات المستقبل، مرحب به عادة في مختلف الميادين، ومن قبل الاطراف المنخرطة فيه قبل غيرها، بطبيعة الحال. أي ان الحوار لا يعقد، ولا يتم الانخراط فيه لذاته، وانما من أجل اتخاذ قرار او التوصل الى اتفاق، وبالتالي، فإن التركيز في كل حوار يدور حول مضمون القرار المطلوب، وآليات اتخاذه، ومن تؤول اليه سلطة الترجيح، والحسم عندما يتعثر جهد المتحاورين ويكون التوافق غير ممكن لسبب من الاسباب. وبهذا المعنى، فإن الذي يحدد طبيعة الحوار او التفاوض، ايجابا او سلبا، هو مدى توفر او عدم توفر شروط الحسم، ووضوح ملامح القوة التي عليها اتخاذ قرار الحسم، في نهاية المطاف، حتى لا يتحول الحوار، مع مرور الوقت، الى مجرد قتل لهذا الوقت بالذات، حيث تتفاقم المشاكل، وتتعقد شروط الممارسة، في غياب القرار الحاسم في هذا الاتجاه او ذاك.


لنتصور، في ضوء هذه المقدمة، جولة فلسطينية يراد لها ان تقوم على قاعدة الحوار الوطني الفلسطيني في شروط الموازين السياسية الراهنة، سواء في ذلك حوار الفصائل الفلسطينية جميعها او بين حركتي فتح وحماس، أي على قاعدة تنعدم فيها امكانية الحسم، واتخاذ القرار. والحال، ان ان الحوار أو النقاشات غير المرتبطة بأي اجندة سياسية واضحة، ووطنية حقيقية، ومحددة، لا يمكن ان تكون اساسا لبناء دولة أو اقامة سلطة فعلية، حتى في الوقت الذي يتفق فيه الجميع بأن توسيع وتطوير آليات الحوار الديمقراطي هو الذي يمكن من وضع الاسس الكفيلة ببناء هذه الدولة العتيدة.


ذلك ان العيب الرئيسي في هذا المجال هو غياب او تغييب شروط اتخاذ القرار، وهو ما يؤشر عليه، في الحالة الفلسطينية، بالذات، اشتراط كل القوى المتحاورة عدم وضع اي شروط مسبقة للحوار. الأمر الذي يعني عمليا انه ينبغي الانطلاق من نوع من نقطة الصفر الافتراضية والتأكيد على ان الاطراف التي تنخرط في ذلك الحوار متساوية المواقع والاقدار بحيث لا يمكن التمييز بين حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية وبين حركة حماس وغيرها من القوى المدعوة الى الانخراط في الحوار.


وفي الواقع فإن هذه المساواة الوهمية، في حقيقتها، هي التي أطاحت بامكانية التوصل الى الى اتخاذ القرار، في حوار هو اشبه بحوار الطرشان خاصة ان كل طرف يريد، في حقيقة تكتيكه السياسي ربح الوقت، والعمل على فرض ما يمكن فرضه من الوقائع على الارض بحيث يصبح لزاما على خصمه اخذها بعين الاعتبار في اي اتفاق مستقبلي اذا كتب له ان يرى النور تحت ضغط عوامل ما، وضمن شروط لا يعلم عنها أحد شيئا في الواقع.


ولعل العنصر الاخطر في هذه المعادلة الفلسطينية انه بسبب موازين الضعف التي تتحكم في اطرافها تجد هذه الاخيرة نفسها في وضع شبه مشلول تجاه العامل الاسرائيلي الذي يعتبر مالكا لبعض عناصر الحسم على المستويات العسكرية والسياسية لأنه جاهز دائما للتدخل ولو بعنف تحت مختلف الذرائع لعرقلة اي تطور يمكن ان يحدث في الحوار الفلسطيني باتجاه الحسم لمصلحة الوحدة الوطنية. وبهذا المعنى يمكن القول، ان عجز هذا الحوار عن التوصل الى نقطة حسم لغياب قوة الحسم لدى مجمل أطرافه لا يوازيه الا الهيمنة الاسرائيلية الواضحة والتي تتحين الفرص لاعادة الامور الى مربع الانطلاق، وهو نوع من الصفر السياسي والاستراتيجي.


والأدهى في هذا الامر ان حركة حماس قد ابانت في سلوكها السياسي انها ابعد ما تكون عن ادراك مدى خطورة الوضع الناجم عن هذا السلوك، على مستقبلها السياسي والاستراتيجي قبل غيرها، خاصة انها تضع نفسها على طرفي نقيض مع مجمل القوى الوطنية الفلسطينية التي كان بالامكان ان تكون سندا لها، وفي مقدمتها حركة فتح، رغم
التباينات السياسية والايديولوجية بين قيادتيهما، ذلك ان هذه الاخيرة قد برهنت عند كل المراحل المفصلية الكبرى للنضال الوطني انها تدرك طبيعة التناقضات، والتحديات التي ينبغي مواجهتها ولو بالحد الادنى من الوحدة الوطنية القادرة على استيعاب حماس وغيرها، لا سيما عندما يتم استحضار البرنامج السياسي العام لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها المظلة التي يستظل بها الشعب الفلسطيني بجميع قواه وتياراته الفكرية والسياسية.


وفي سياق هذا التفكير يصبح الحديث عن التنظيم البديل لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي لوح به رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في المدة الاخيرة حديث مزيد من الاضعاف للموقف الفلسطيني الامر الذي يجعله ابعد ما يكون عن اكنساب اسباب القوة والقدرة على الحسم في اي مستوى من المستويات. وهنا تتعقد معضلة العمل الفلسطيني لان حوار ضمن هذه الشروط لا يمكن ان يؤدي الى اي نتيجة ايجابية على ما يبدو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك على الخبر

شاهد ايضا